My Life, Your Universe ! حياتي، كونكم

لطالما اعتقدت أنّ الكتابة هي محاولة فاشلة للموت، ألفظ أنفاساً أظنّها الأخيرة ولكنّني أعود للعيش من جديد. فاشهدوا، في هذه المدوّنة، موتي وعودتي للحياة مراراً وتكراراُ

Wednesday, January 28, 2009

رجلي الصغير.. ء

بين ليلة وضحاها، أحببته!ء
أحببت رجولته الصبيانية و ضحكته الطفولية!ء
خطفني بريق عينيه وكثافة شعر ذقنه الناعمة!ء
أحببته!ء
أحببته طفلاً يداعب طفولتي ورجلاُ يجتاح أنوثتي!ء
أحببته طفلاُ يحتاجني ورجلاُ أحتاجه!ء
لا يسعني إلا أن أبتسم متى نظرت إليه. تنجلي همومي تحت لمساته!ء
لفرط حبي أخافه!ء
ترعبني تلك القوة التي يملكها!ء
أرتجف من تحكمه بدقات قلبي، وأنفاسي، وتقلصات وجهي!ء
لشدة هيامي أخاف من نفسي!ء
يرعبني عدم السيطرة عليها في حضوره!ء
أرتجف من فرحها العظيم للإنتماء إليه!ء
بينه وبيني معركة أنتشي لخسارتها!!حرب لا أريد أن أربحها!ء
سعادتي في استسلامي ل "رجلي الصغير"... ء

وحيدان معاً!ء

عندما زارني مجدداُ، تأملته.
وجدت أهدابه متثاقلة وجبينه عارياً.ء
وجدت خدوده مصفرة وصدره مشدوداُ.ء
وجدت عيونه ثكلى...ء
وجدت كل ما تعودت عليه، ولكني لم أجد مكاناُ في جسده لأريح رأسي.ء
خفت!ء
أرعبنى انفصال همومي عنه!ء
أفزعتني وحدتي في حضوره!ء
مدّ بده على وجنتيّ. ألهبني حنوّها.ء
نسيت همومي ونسيت رأسي.ء
أنزل يده معتذراُ:ء
"حبيبتي!تؤلمني وحدتي في حضورك!عليّ الرحيل".ء

Thursday, November 09, 2006

الجسد المقدّس

ء -لالا، لا تفعل ذلك...! ء
لا أريد لمستك تلك التي تشبه لمسات جميع بني آدم لبنات حوّاء. ء
خذها! استعدها مني! لا أريدها. ء

ء -ولكن، ماذا فعلت؟ ألا يمكنني أن ألمسك؟ ء

ء -أريدك أن تلمسني وتعشقني وتجتاحني بكلّ قوّتك حتّى تنهار جميع دفاعاتي أمامك. ء
أريدك أن تسبر أغوار تنفسي كي تتوحد معه. ء

ء -ماذا تقولين لست أفهم شيئاً. ء
ألا تحبينني؟!! ء

ء -يا إلهي ما أبسط الرجال! كلّ مشاعرهم طافية. ء
ألا تستطيع أن تفهم أنني أريد من يهزّ روحي قبل أن يُخضع جسدي؟! ء
أريد من يلدغ لهيب عشقه أنانيتي، ويحرق بحنوّ أصابعه بقايا كبريائي. ء

ء -لست أفهم شيئاً! ء

ء -لا تقلق، لا أتوقع منك أن تفهم! فمن يفهم النساء؟ ء
ولكني أريد أن أتكلم. دعني أقول لك كيف أريدك أن تحبّني. ء

ء -لا تعجبك طريقة حبّي لك؟!! ء

ء -كفّ عن السؤال واسمعني. ء
أريد رجلاً ينظر إليّ كلّ يوم وكأنّه يراني لأوّل مرّة. أريده أن ينذهل كمن اكتشف في كلّ دقيقة شيئاً جديداً في تقسيم وجهي، وانحناءات جسدي، وبريق عينيّ. أريده أن... ء

ء -اسمعي، لا وقت لديّ لسماع هذه التفاهات. ء
أنا ذاهب. ء

صفق الباب وراءه وخرج. ء
هي تدرك أنّه لن يعود. ما من رجل يحبّ المرأة التي تتكلّم. ء
كلّهم يريدونها "فينوسَ"، تمثالاً جميلاً أبكماً. أما هي فتفتّش عمّا تبحث عنه كلّ امرأة في صميمها. ء
هو ذلك الإحساس الهائل الذي يجعل النساء، لشدة ما يبغينه، يخلقنه وهماً في أحطّ الرجال بعدما تعبن من البحث عنه بين قوافل الذكور الكثيرة العابرة في صحراء شبابهن. ء
لم تجد بعد ذلك الذي يترك الأثر الأكبر فوق الرمال البيضاء...ء

Thursday, October 26, 2006

تحت المطر


مشت تحت المطر مبتسمة على غير عادة. هي تحبّ المطر، ولكنّها لطالما تمنّت لو أنّ النقط الشفافة تعود إلى السّماء بعد أن تبلّل شعرها ووجهها.ء

امرأة التناقضات.ء
متوحّدة مع الطبيعة والمدنيّة في آن واحد. تهوى أن يتبلّل جسدها بمياه الأرض الهاطلة من السّماء ولكنّها تكره أن تتبلّل ثيابها أو حذاءها.ء

ولكنّها اليوم في الحذاء ذي الكعب العالي، بنطالها الجينز وقميصها الذي ينسدل عن كتف ويغطّي أخرى عن غير قصد، تتنقّل من بركة ماء إلى أخرى غير آبهة.ء

لقد تمكّنت الأمطار من إخضاعها.ء
أغوتها بحنوّ ذكيّ؛ نزلت القطرات الأولى على شعرها المجعّد، فاحتارت في أمرها، ما كان منها إلا أن ركبت الأفعوانات النحاسية حتّى وصلت إلى نهايتها، وسقطت بعد ذلك على كتفها العاري، لا على ذلك المستتر. شدّها الجسد الحنطيّ اللون. استقرّت هناك لحظات ثمّ اختفت تحت طيّات قميصها ولم تهطل على الأرض أبداً.ء

أحبّت المطر اليوم أكثر من كلّ يوم. أحسّت أنّه أكثر جاذبية. لمست فيه الحبّ.ء
لقد قدّرت كلّ نقطة وابتهجت لها، عشقتها. كيف لا تفعل ذلك وحبيبها، في أرض لا تمطر فيها. يشتهي رائحة التراب المبلّل. ء
أين هو اليوم، كي يراها قد أصبحت الأرض؟ء
أين هو اليوم كي يتنشّق من جسدها رائحة الأمطار الأولى؟ء

وصلت إلى شقتها وكتبت له رسالة أرسلتها إلى جوّاله:ء
"لقد عرفت ما سأجلب لك معي حين أزورك"!ء

Saturday, October 14, 2006

علامة استفهام

يبدو المكان كبيراً جداً عليه. لا يستطيع أن يحدّه عقله الصغير. بالنسبة إليه، لا نهاية له. ء
يحملق في الوجوه مستغرباً، يسألهم، بلغته الخاصّة، عمّا لا يجرؤون على التفكير فيه. يركّز جيداً، آملاً أن يجمع هذه الضوضاء العشوائية من حوله في إيقاع واحد، قد يكون من الأسهل فقه أكنافه والإنتماء إليه، ولكنّها معقّدة على قدر ما تفتقر إلى المعنى. ء

تتصارع الأسئلة في رأسه وتتسارع وتيرتها أيضاً وأيضاً. ء
ما أنا؟ ء
من أنا؟ ء
أين أنا؟ ء
ماذا حصل؟ ء
كيف أتيت إلى هنا؟ ء
أين كنت؟ ء
ما هو دوري في هذه المعمعة؟ ء

على قدر ما يرى وجوهاً من حوله، وجوهاً صامتة، كثيرة الضجيج، على قدر ما تزداد قناعته أنّه لن يلقَ الإجابات التي يتمنّاها. ء

تقترب الوجوه منه أكثر فأكثر، تحاول ملامسته، تقبيله، احتضانه، فتجتذب إهتمامه. أحبّ بعض الوجوه، شعر نحوها بميل غريب، لا يسعه سوى الإبتسام متى نظر إليها، خاصة ذلك الوجه الناعم الملمس، الحلو التقاسيم، الذي يتوّجه شعر طويل، ذهبيّ اللون. يتبعه جسدُ عبق الرائحة، سكّريّ العبير، إلى درجة تجعله يرغب في أن يأكل. ء

ها هي أولى حاجاته الجسدية استنفرت مطالبة بتلبيتها. احتار في أمرها، كيف سيستطيع إشباعها؟ حاول التكلّم عنها، فتحوّل كلامه بكاءً، ولكن، ولشدة دهشته، حملته يديّ الوجه الجميل وقرّبته نحو صدر، تشبّث به بفمه، لسبب لم يفهمه، وما لبث أن انساب سائل لذيذ وسدّ جوعه. ء

منذ ذلك الوقت اعتاد وجوده، وأصبحت له تساؤلات أخرى غير تلك التي شغلت باله عند ولادته. انحصرت اهتماماته بتلبية حاجاته الآنيّة وغضّ النظر عن تلك التي لا يمكن إشباعها. ء
قد يتابع ما تبقّى من حياته على هذا المنوال، إذ أنّ هنالك الكثير من الملذّات في الدنيا، والسعي للحصول عليها لا يترك له مجالاً للتفكير في ماهيّته أو سبب وجوده أو أصل تكوينه أو السبب من وراء ذلك. ء

ولكن في ذلك اليوم، في المستشفى، لم يتخلّ كلّ المواليد الجدد عن محاولة سبر أغوار دهاليز ما وراء الحياة، حتّى إنّ بعضهم ما زال عالقاً هنالك حتّى اليوم. ء
كثيرون هم الذين لم يتعلّقوا كثيراً بالرضاعة في صغرهم. ء
كثيرو ن هم الذين لم يتركوا همومهم اليومية تقتل الأسئلة الأولى! ء

Tuesday, October 10, 2006

لعبة الوطن

عندما كتبت المقالة التالية في ذكرى الإستقلال عام 2005، لم أعلم أنّ ما ظننته أمواجاً عاتية، في طريقها إلى لبنان كي تكتب إستقلالاً آخر، ستتحوّل إلى إعصار هائل، يفترس أماننا المزيّف ويكشف لنا الحقيقة. نعم، لقد انكشفت لنا حقيقتنا، ألا وهي أنّه بينما نكون منغمسين بألعابنا السياسية القذرة، يتربّص لنا عدوّ على الباب. عدوّ قد يكون غبيّاً ولكنّه، بالطبع أذكى من الأطفال المشاركين بشتّى وسائل التّرفيه السياسي.عدوّ استطاع أن يستغلّ انشغالهم كي يتسلّل إلى أرض الوطن و بطريقة "على عينك يا تاجر". فلنحاول أن نبقَ أذكياء بدل الإصرار على أن نكون أغبى من الأغبياء! ء
-------------------------------------------------------------
أمواج

فتح سمير الظرف الأبيض، وابتسم. ء

إنّها دعوة من مدرسته القديمة لحضور معرض رسوم لطلاّبها بمناسبة ذكرى استقلال لبنان. اعتبر ذلك بمثابة فرصة للقاء أساتذته، واسترجاع ما بقي معلّقاً من ذكريات بين الجدران الحجرية، هو الذي منذ تخرّجه منذ خمس سنوات، لم يزُر المدرسة ولا مرّة واحدة. ء

تذكّر المعارض التي حضرها من قبل حين كان ما يزال تلميذاً على مقاعد الدراسة. ء
كانت كلّ الرسومات متشابهة، جنديّ يقف على قمّة جبل عالٍ، ويحمل بيده علم لبنان. وإذا وُجد إختلاف بين لوحة وأخرى، فإنّه غالباً ما يعود إلى الألوان المستعملة لصبغ الإستقلال. ء
بالنسبة لهؤلاء الرسامين الصّغار، الإستقلال ليس سوى صورة قديمة بالأبيض والأسود خرجت من صفحات التاريخ. صورة جامدة يحاولون كسر جليدها بالألوان. ء

كان يعذُر هؤلاء على عقم لوحاتهم. لا ذنب لهم، هم الذين قرأوا الإستقلال تاريخاً ولم يشعروا به حريّة تجري في العروق. ء
تماماً كالطفل الصغير الذي اشترى له والداه لعبة جميلة قبل أن يولد، ومتى وُلد وعرف العالم من حوله، اعتبرها من البديهيات التي يحصل عليها تلقائياً مع قدومه إلى هذه الدّنيا، فوضعها على الرفّ مع بقيّة الأغراض المهملة. هو لم يبذل مجهوداً للحصول عليها، ولا تربطه بها محبّة خاصّة، ولكنّه يبقيها معه. حتّى أنّه قد يخطفها من يديّ أحد أترابه إذا حاول سلبه إيّاها، ربّما لأنّه إعتاد مكانها حيث هي أو لأنّه قد يقدّر المجهود أو التضحيات التي بذلها أهله من أجل تأمينها. ء
لذلك، فإنّه متى تكلّم الولد عن لعبته تلك فهو سينطق بما قاله والداه وكيف وصفوها، و ربما يختلق بعض الأخبار الإضافية لمزيد من الإثارة.... ء

هكذا كانت الرسومات في مدرسته، أصداءً لصور سابقة، لصور قُرأت أو سُمعت ولكنها لم تُرسم قط. ء
إنعكاسات لأحداث عشّشت في عقول وقلوب من سبقهم. ء

كان يتمنّى في بعض الأوقات لو أنه يستطيع الرسم، ولكنّه كان يتراجع عن فكرته، فهو الآخر ليس لديه عن الإستقلال فكرة أكثر وضوحاً مما لدى الآخرين من أترابه. ء
كلّ ما يفرّقه عنهم هو تلك الرغبة التي تتأجّج في داخله بأن يحظ بمعنى جديد للإستقلال، يدخل قلبه كي يتولّى هذا الأخير توزيعه على بقايا أعضاء جسده. ء
عندها فقط قد تنطق به يداه. ء

حوالي الساعة الخامسة من بعض الظهر، اتّجه صوب مدرسته القديمة، وكلّه أمل بأن يكون طلاب هذه السنة قد استطاعوا إدخال إستقلال لبنان في عروقهم قبل أن يقطعوها فوق الأوراق البيضاء، وإلاّ فإنّه لن يرَ سوى تلك اللوحة القديمة للجندي الذي يحمل العلم اللبناني منتشرة في أنحاء المعرض بألوان مختلفة. ء

عند الباب الخارجيّ، سمع بعض الزوّار يشيدون بروعة المعرض وتميّزه هذه السنة عن السنوات الماضية. رقص قلبه فرحاً وابتسم بسخريّة إذ ظنّ أنّه سيشتاق إلى ذلك الجنديّ ذي الإبتسامة البلهاء. ء
أسرع بالدّخول متلهفّاً، ولكنّه ما لبث أن تسمّر في مكانه. ء
إختفى الجنديّ، وغصّت اللّوحات بآلاف الأشخاص يحملون الأعلام اللبنانية، و إمارات الغضب تعلو وجوههم. ء
تقدّم قليلاً، محاولاً شقّ طريقه بين الحشود الكبيرة ولكنّ الأصوات المتعالية من اللوحات أربكته. ء
أصوات ثائرة تنادي للحريّة والسيادة والإستقلال. ء

أصابه الذهول وجمد في مكانه. ظنّ أنّه وجد ضالّته، وأنّ هذه الرسومات تستطيع أن تشكّل الجسر الذي سيسلكه الاستقلال لدخول قلبه. ركض إلى داخل الصالة كي يلملم الأحجار المناسبة لبناء جسره الجديد، ولكنّ يافطة كبيرة معلّفة في وسط الصالة تحمل عبارة "استقلال 2005" قد أودت بأحلامه أدراج الرياح. لم يكن هذا المعرض سوى تتمّة لما حصل منذ بضعة أيام حين تجمّع أكثر من مليون لبنانيّ في ساحة الشهداء كي يطالبوا باستقلال جديد بدل أن يعملوا على تحقيق استقلال 1943. ء

لم يفهموا بعد الاستقلال الذي أعطى الحرية لدستور لبنان وأراضيه وشعبه. ملّوا من المحاولة، فأعطوا اسمه لما قد يفهمونه أكثر، لفكرة أكثر بساطة، لموجة امتدت على البلد والكلّ متطوّع لركوبها. ء

خرج سمير مسرعاً دون أن يكلّم أحداً حتّى أنّه لم يفتّش عن ذكرياته القديمة، تركها حيث هي بين الأحجار. قد تكون هناك بمأمن من الأمواج القادمة على لبنان. ء
مع كلّ موجة جديدة قد يُسجّل إستقلال آخر... ء

Sunday, October 08, 2006

بلا هويّة


لا أستطيع الإحساس بنفسي اليوم.
كأنّ هنالك سداً منيعاً بينها وبين جسدي. لست حزينة، ولكنّي لست سعيدة أيضاً.
هذا الشعور نفسه يراودني بين الحين والآخر. حالة سبات نفسيّ.
للأسف، هذا لا يساعدني على الكتابة، تلك القناة التي تصل بين شغف نفسي ويدي، مقطوعة.
ما من ذبيحة اليوم كي أصبغ بدمائها أحرفي.
لذلك اخترت لكم سطوراً، بدأت بكتابتها منذ حوالي السّنة ولم أنتهي منها بعد. اخترتها آملة أن تجدوا فيها ما يفسّر عجزي اليوم، فتعذروني. لم أختر لها عنواناً بعد، إذ ما زالت مجهولة الهويّة.
----------------------------------------------------


جلست لتكتب علّها تفرغ قلقها على ورق.

ها هي تضع القلم بين أسنانها وتفكّر...
تنتابها مشاعر قوية لدرجة أنها تخاف أن تحمّل القلم بها كي لا ينفجر، فحينها سيفضحها الحبر الأزرق المتشظّي على الجدران.
نظرت إلى القلم مستفسرة:
" هل ستستطيع تحمّل معاناتي؟ هل ستفرغها بصدق على الصفحات البيضاء العطشى للألوان؟ أم أنّك ستعاندني وستأبى النطق بما أبغي؟"

في كلّ مرّة يصعب عليهاأن تفتح قلبها لقلم!
هي تدري أنّ الكتابة هي محاولة فاشلة للموت، تلفظ أنفاساً تظنّها الأخيرة، فترسم أفكارها حروفاً، وتتقنها كأنّها آخر ما ستكتب، ولكنّها تعود لتعيش من جديد.
الشيء الوحيد الذي يكون قد مات هو الذي انصبغت دماؤه بالأزرق فوق الأوراق البيضاء.
في كلّ مرّة يصعب عليها الموت من جديد!

سمعت أحدهم مرّة يصرّح في إحدى المسابقات الأدبية:
" ...الأدباء يُستكتبون ولا يكتبون..."
أرعبتها الفكرة.
استنكرت كون كتاباتها ترجمة لرغبات قوىً خفيّة مهما عظُم شأن هذه القوى وعلا.
هي من الأنانية بحيث ترفض أن تعزو هبتها إلى أيّ شيء آخر سوى نفسها.
هي من العناد بحيث أنّها أضحت تهمل حاجتها إلى الكتابة كي تثبت قوّتها أمام القوى التي تنال التقديرعوضاً عنها.
هي من الجنون بحيث أنّها تحاول اليوم كتابة أشياءً خاصّة بها فقط كي يُستحالُ أن تُعزى إلى آخرين.

غالباً ما تستغرقها الجملة الأولى في كلّ قصّة أو مقال زمناً طويلاً قد لا تستغرقه كتابة أيّة فكرة لاحقة، فبرأيها الجملة الأولى هي التي تحدّد مسار الحروف اللاحقة، وهي التي قد تحثّ القارىء على المتابعة أو تدفعه إلى إغلاق الكتاب.
هي تكتب برأس قارىء وقلب كاتب، فينقد رأسها ما كتبه قلبها، وتعديل ما كُتب شرٌّ لا بدّ منه، إذ مهما بلغت أهميته ما زالت تعتبره تقويضاً لجنونها.

ما زالت تداعب القلم بين أصابعها، وتحملق في الورقة البيضاء دون فائدة.
ما أرادت مسبقاً إماتته على ورق، عزّت عليها مفارقته.
وضعت كلّ شيء أمامها واتّجهت نحو الشرفة تهزّ رأسها موافقة على مقولة:
" أعظم الكتب هي التي لم تُكتب بعد"، بعدما تردّدت في رأسها مراراً كأنّها تستحضرها كي تبرّر فشلها اليوم.

على الشرفة وقفت تبتسم كالبلهاء.
استندت على الدرابزين الحديديّ، وأغمضت عينيها تواجه نسيم المساء الساحليّ.
كم تحبّ هذا النسيم، يشعرها بنشوة عارمة. يداعب وجنتيها بكلّ حنان ويمرّر أصابعه في شعرها فيتطاير. يذكّرها بحبيب سابق اعتاد مداعبة شعرها بلطف، إذ أحبّ الخصل السوداء المجعّدة. هو الآخر كالنّسيم، يمرّ لطيفاً دون أن يترك أيّ أثر يُذكر.
هي التي تطلب الحبّ العاصف الذي يقلعها من جذورها ليضيع بها في السماء، فتدور وتدور مع أعاصيره وتهطل مع أمطاره وتسبح مع غيومه السوداء.
تريد ذلك الذي يوحّدها مع كيانه بدل أن يتوحّد معها...
ذلك الذي يجعلها جزءاً منه بدل أن يصبح جزءاً منها...

"إعشقني وتعذب، إعشقني وتألّم، فبذلك فقط أعلم أنّك تعشقني..."
تذكر هذه العبارة جيّداً، إذ ختمت بها قصيدة مراهقة قبل عدّة سنوات، وما زالت تردّدها حتّى اليوم.
تعتقد أن العذاب أساسيّ في الحبّ. فما أجمل أن يتعذب رجل من أجلها. فتطهّره نار العشق بحرارتها من كلّ الرواسب الذكوريّة المتسلّطة ويفرغ داخله استعداداً لاستقبالها.
عندها فقط تسكنه فيصيرا واحداً من كلّ وكلاًّ من واحد.

ترى بعض الفتيات يرحن ويجئن على الطريق المحاذي لمنزلها وهنّ بكامل أناقتهنّ. فتيات صغيرات تأنّقن للحبّ آملات أن تجدنه وراء المفترق التالي.
تبتسم، وتتذكّر" أنور".
يتبع....

Saturday, October 07, 2006

أوّل مرّة


المقالة الأولى! قد تقرّبكم منّي أو قد تبعدكم عنّي.
مثلها مثل أوّل لقاء مع أيّ شخص، أيّ شيّء أو أيّة مشاعر.
غالباً ما أجد صعوبة كبيرة في أن أسطر الكلمات الأولى لأيّ مقال، أو حتّى علاقة! قد تجدون الأمر غريباً ولكنّي امرأة تخاف البدايات. لديّ تلك اللعنة التي تفرض عليّ رؤية النهايات لكلّ البدايات والموت لكلّ حياة.
لذلك، أخاف الكتابة، أخاف التورّط.
لقد مضى زمن طويل منذ أن كتبت لآخر مرّة، وأنا لا أعني بذلك المقالات الإقتصادية، إذ لديّ منها الكثير، ولكنّي لا أعدّها كتابة، لا أعترف بها إذ نطق بها عقلي دون قلبي، وهذا الأخير هو الأحبّ إليّ.
إنّني أعلم أنّني من خلال الكتابة ألتفت إلى نفسي. أرى ما حاولت غضّ الطرف عنه قبلاُ. ألاقي من جديد تلك اللعنة التي رافقتني حتّى حين تغاضيت عنها، فأرتكب الجرائم، وإن على ورق!
ولكنّي اليوم أختار أن أكتب. لديّ ضوضاء عاتية في جسدي، أريد إماتتها. بعد ذلك، قد تصبح لعنتي، نعمتي، من يدري؟!
قرّرت أن أكتب كي أودّع النهايات بشكل رسمي، بورقة نعوة موقّعة باسمي أنا، امرأة تخاف البدايات، ولديها الجرأة الكافية لمواجهة النهايات.
كم بداية أنهيتها قبل أن تبدأ، وكم نهاية بدأتها مع علمي بأنّها ستنتهي!
أمّا بدايتي هذه معكم، فقد بدأتها لأنّني أعلم أنّ بها نهايتي.

Free Counters